طارق الزيات
طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي 6» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الجمعة، 18 أغسطس 2023 - 04:11 م

 دق عامل الفراشة العمود الخشبي في جانب الشارع الضيق وصعد السلم ووقف عليه بوضع رأسي وتحرك به كما لو كان يمشي بقدميه على الأرض، وهو يمد قطع القماش المزخرفة ويشبك العمدان الخشبية التي يدقها زملائه بالأسفل مع بعضها البعض، كان الأطفال متجمعون وهم مندهشون من تحركاته وهو يصيح طالباً منهم أن يبتعدوا حتى لا يصيبهم وهو يتحرك.

اكتمل الصوان الصغير بعدما أعدوا منصة صغيرة وضعوا عليها زوج من المقاعد الخضراء ذات المساند المذهبة التي تآكل تذهيبها وبقيت منه بعض الآثار التي تدل على مئات العرائس اللاتي جلسنا عليها من قبل.

نثر العمال نشارة الخشب الملونة على أرضية الصوان، لم يرغب والده في زيادة الكلفة باستئجار السجاد من الفراشة وهو على كل حال سجاد مهترئ أكل عليه الدهر وشرب، علق الكهربائي عقود الإضاءة الملونة بألوان مختلفة وثبت الميكروفون في بلكونة العريس ومن بعدها رصوا صفوف الكراسي الخيزران وأصبح كل شيء معدا.

حضر هو من عند الحلاق قبل المغرب وأخذ دشاً بصعوبة فالمياه شحيحة وهذا هو الوضع العادي وليس من المتوقع أن يتغير شيء لمجرد أن هذا اليوم بالنسبة له هو يوم غير عادي.

ارتدى بدلة مستأجرة وحذاء جديد وذهب في سيارة أجرة إلى منزل بسبوسة التي كانت على أهبة الاستعداد بعد أن أنهت إحدى عاملات الكوافير مكياجها في المنزل، كانت بسبوسة ترتدي فستاناً الزفاف الأبيض الذي استعارته من زميلتها في العمل وكانت الأخيرة تحتفظ به وتؤجره من وقت لآخر، لكن بسبوسة لها وضع مختلف فقد أرسلته زميلتها إلى الدراي كلين وأعطته لها وهو نظيف ومغلف.

بدت بسبوسة مختلفة تماماً وكانت أقرب إلى نجوم السينما، لا شك أن الفرحة من القلب تضئ الوجه وتخط الابتسامة على الشفاه، انبهر برونق بسبوسة وبهائها وتقدم وأخذ يدها من الأستاذ عبد السلام ونزلا سوياً كي يستقلا التاكسي بينما شقيقاتها يمسكن لها ذيل الفستان حتى لا يتسخ من درجات السلم.

كان والده متواجدا في الصوان وهو يتفقد كل شيء وخاصة الدي جي وطلب منه أن يضع أغاني مبهجة لأنه يريد أن يسعد بهذا اليوم الذي ينتظره منذ زمن، لم ينس أن يمسك الميكروفون ويمسي على كل الجيران ويطلب منهم الحضور للفرح وأن الدعوة عامة للأحباب.

وصل هو و بسبوسة إلى المنزل وعندما نزلا أنطلق الدي جي بأغنية طلي بالأبيض فانطلقت الزغاريد من نساء الحتة جميعاً وكانت أقواهم زغاريد إخوته البنات الذين كانوا حريصون على إبعاد الأطفال عنه وعن بسبوسة، وتقدم العروس والعريس وجلسوا على المقاعد الخيزران بينما كان المأذون يجلس وأمامه طاولة صغيرة وقبل أن يكتب الكتاب ألقى كلمة قصيرة عن حكمة الزواج وتلى بعض الأحاديث وبعض آيات القرآن الكريم ثم طلب منه أن يضع يده في يد عبد السلام وغطاهما بمنديل أبيض كما هو معروف ووضع كف يده اليمنى فوق أيديهما وقال له ردد ورائي فردد ما يقوله المأذون وبعد انتهائه وانتهاء عبد السلام من ترديد عبارات الطلب والقبول خطف شقيق بسبوسة المنديل قبل أن يأخذه المأذون.

دوت الزغاريد حتى لم يعد أحد يسمع من جواره، دمعت عين والده وهو يتذكر زوجته الراحلة التي تمنت هذا اليوم، ودمعت عينا عبد السلام لمفارقة ابنته له، هدأت زوجة عبد السلام زوجها وربتت على كتفه بينما جرت الشقيقتان على والدهما واحتضنتاه فهمس لهما أنه بخير وطلب منهم أن يفرحوا ويسعدوا فأيام الفرح قليلة.

امتلأ الصوان عن آخره و كان الجيران هم من يملؤون الصوان وزملائه وزملاء بسبوسة وفريال وشارك الجميع بالتفاعل مع الأغاني، وزعت علب صغيرة بها ساندوتشات وقطعة حلوى ورقصت البنات مع بعضهن حول العريس والعروس، انقضى الفرح بعد ثلاث ساعات ونصف وغادر هو وبسبوسة الكوشة وصعدوا إلى الشقة.

صعد خلفهم والده وشقيقتاه ووالدة بسبوسة ووالدها وشقيقاتها، مالت والدتها عليها وهمست في أذنها ببعض كلمات فاحمر وجه بسبوسة خجلاً وقالت لها بتوتر خلاص يا ستي خلاص، دخلا سوياً غرفتهما، وأغلقا الباب خلفهما، قال الوالد للجميع عقبا لكم وغادروا وهم يزغردون، نادت أخته من خارج الغرفة وقالت لهم أن العشاء في الثلاجة وتسحب معها والدها خارجاً معها من الشقة بعد أن ترك مبلغاً من المال على طاولة الأنتريه وخطاب صغير مكتوب فيه، أنا عند عمتك في البلد وسوف أعود بعد عشرة أيام .. ربنا يسعدك يا ولدي.

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة